تسارع التقنية يطرح سؤالًا لا يجوز تجاهله:
هل ما نستخدمه اليوم يُقرّبنا من الحلال... أم يُبعدنا عنه بلا أن ندري؟
![]() |
توازن بين الفكر البشري والقوة الرقمية: هل يظل الإنسان متحكمًا في أدواته أم يفقد السيطرة؟ |
هل الذكاء الاصطناعي حلال أم حرام؟
تتسارع وتيرة التطوّر التقني حتى صار الذكاء الاصطناعي لاعبًا رئيسيًا في ميادين التعليم والصناعة والإعلام. لكن وسط بريق الأرقام—كمليون مستخدم لتطبيق ChatGPT في خمسة أيام و1.5 مليار استخدام شهري لخدمة Google AI Overviews—يبرز سؤال يهمّ كل مسلم واعٍ: الذكاء الاصطناعي حلال أم حرام؟
الإجابة لا تُختَصر في كلمةٍ واحدة؛ بل تحتاج إلى تحليل فقهي وأخلاقي عميق يستحضر مقاصد الشريعة وأصولها، ويوازن بين المنافع والمفاسد.
2. ما هو الذكاء الاصطناعي أصلًا؟
يعرّفه المتخصّصون بأنّه: قدرة الأنظمة الحاسوبية على أداء مهام تتطلّب عادةً ذكاءً بشريًّا، كالفهم اللغوي، التعلّم من البيانات، واتخاذ قرار مبرهَن.
- أنواعه الأساسية: ذكاء ضيّق (Narrow AI)، ذكاء عام (AGI)، وذكاء فائق (Super AI).
- أبرز تطبيقاته الحاضرة: الترجمة الفورية، توليد النصوص والصور، تحليل البيانات الطبية، أتمتة خدمة العملاء.
استحضار شرعي
قال الله تعالى:
﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ [سورة البقرة، الآية 31].
الآية تؤكّد مبدأ تكريم العقل والتعليم؛ فالتكنولوجيا امتدادٌ لقدرة البشر على التعلّم والاكتشاف متى ضُبطت بالقيم.
3. الأصول الشرعية الحاكمة لأي تقنية
أصل فقهي | جوهره | دلالته على قضية الذكاء الاصطناعي حلال أم حرام |
---|---|---|
الإباحة الأصلية | الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يَرِد نصٌّ بالحظر | الذكاء الاصطناعي مباح من حيث المبدأ |
تحقيق المقاصد الخمسة | الدين، النفس، العقل، المال، النسل | يُمنع إن عرّض أحدها للخطر |
سدّ الذرائع | منع الوسائل المفضية للمحرّم | يُقَيَّد استخدامه إذا أدّى لضرر يقيني أو غلبة ظنّ |
جلب المصلحة ودرء المفسدة | الموازنة بين نفع التقنية وضررها | إباحة مشروطة بإثبات منافع راجحة |
4. الذكاء الاصطناعي حلال أم حرام: تفصيل المجالات
4.1 التعليم والبحث العلمي
- الحكم: جائز بل مستحب عند توجيهه لنشر العلم النافع.
- دليل قرآني: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الزمر، الآية 9].
- حديث شريف: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة» — رواه مسلم (2699).
- ضوابط: نسبة الاقتباس، تجنّب الغش الأكاديمي، ذكر مصادر البيانات.
4.2 الصناعة والاقتصاد
- الحكم: مباح بشرط العدل في الأجور وعدم الإضرار بالعاملين.
- أثر مقاصدي: حفظ المال وتعمير الأرض.
- تنبيه: الاستغناء الكلّي عن البشر إن كان يُفضي لبطالةٍ واسعة بلا تعويضٍ عادل يدخل في باب المفاسد.
4.3 المحتوى والإعلام
- الحكم: تابع لنوع المحتوى. إن كان خيرًا فخير، وإن كان فجورًا فحرام.
- آية هادية: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [سورة ق، الآية 18].
- ضابط أخلاقي: وضوح الإفصاح أن النص مولَّد آليًّا، وتجنّب نشر الشبهات أو الأخبار المضلِّلة.
5. شبهات شائعة وإجاباتها (أسئلة فرعية بنمط Q&A)
س 1: هل يُعتَبر الذكاء الاصطناعي خلقًا جديدًا ينافس خَلْق الله؟
ج: لا، لأنه لا يخلق من عدم؛ بل يُركّب المعلومات المبرمَجة فيه (الإنسان مستخلف).س 2: ماذا لو استخدمت خوارزميات التعلّم العميق بيانات محرَّمة أصلًا؟
ج: قاعدة «ما أُبْني على حرام فهو حرام»؛ يجب التحقق من مصادر البيانات.س 3: هل يجوز كسب المال من أدوات الذكاء الاصطناعي؟
ج: جائز إن كان المحتوى أو الخدمة مباحة والعمليات شفافة وخالية من الربا أو المقامرة.س 4: ماذا عن حقوق المؤلفين؟
ج: الإسلام يحترم الملكية الفكرية استنادًا إلى قاعدة «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس»—حديث رواه أحمد (20172)، بسند حسن.س 5: هل استبدال وظائف بشرية بذكاء اصطناعي محرَّم؟
ج: الأصل الإباحة مع وجوب مراعاة «لا ضرر ولا ضرار»—حديث حسن رواه ابن ماجه (2340).
6. ضوابط عملية لاستخدام آمن وحلال
- النية: استحضار «إنما الأعمال بالنيات»—متفق عليه (بخاري 1، مسلم 1907).
- الشفافية: ذِكر أن المحتوى مولَّد أو مُراجَع بذكاء اصطناعي.
- المسؤولية: الإنسان هو المكلَّف شرعًا، لا الخوارزمية.
- الاستشارة: الرجوع لأهل الاختصاص الشرعي والتقني عند الشك.
- الحوكمة: وضع سياسات داخل الشركات لمنع الانحياز والأذى.
7. معايير اختيار أدوات ذكاء اصطناعي «مباحة»
المعيار | ماذا يعني؟ | أمثلة عملية |
---|---|---|
الشفافية | وضوح سياسات الخصوصية واستخدام البيانات | أداة تنشر كودها المفتوح أو وثائق مفصلة |
الخصوصية | عدم استغلال بيانات المستخدم دون إذن | تشفير طرف-لطرف، حذف البيانات عند الطلب |
المحتوى | خلوّ النتائج من محرمات | فلترة المحتوى الإباحي أو العنصري |
الدعم الخيري | مساهمة في مبادرات نفعية | تخصيص نسبة من الأرباح للأوقاف أو التعليم |
8. من أقوال العلماء المعاصرين
- المجمع الفقهي الإسلامي (رابطة العالم الإسلامي): «الأصل في تقنيات الذكاء الاصطناعي الإباحة مع اشتراط مراعاة الضوابط الشرعية في المدخلات والمخرجات والغايات» (قرار رقم 259، جمادى الأولى 1446 هـ).
- دار الإفتاء المصرية: «يجوز للمسلم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الكتابة والبحث شريطة نسب الاقتباس وإتقان المعلومة وعدم الاعتداء على الملكية الفكرية» (فتوى رقم 3691، ربيع الآخر 1447 هـ).
9. توصيات نهائية (خاتمة)
الذكاء الاصطناعي أشبه بسيفٍ ذي حدّين؛ يكتب قصيدةَ شكرٍ أو يصوغ منشورًا تضليلًا.
لقد منحتنا الشريعةُ ميزانًا يزن المنافع والمفاسد، فلا نُعطل التقنية خوفًا، ولا نُطلقها دون قيد.
فـالذكاء الاصطناعي حلال أم حرام سؤال يُجيب عنه المسلم كل يوم بضميره أولًا، ثم بعِلمه واستشارته لأهل الذكر.
فلنُحسِن النيّة، ولنجعل التقنية خادمًا للإنسان لا سيّدًا عليه، نبتغي بها «خيرَ الدنيا والآخرة».
المقال السابق: