هل مررت يومًا بلحظة صمت كانت أصدق من ألف حوار؟ لحظة شعرت فيها أن الكلمات لا تملك القدرة على التعبير، فاخترت الصمت... لا هروبًا، بل لأنه كان أوضح من كل اللغات؟
في هذا الجزء من رحلة سكون، نغوص أعمق في مشاعر لا تُقال، ونحاول فك شيفرة الصمت الداخلي حين يصبح هو اللغة الوحيدة القادرة على البوح.
![]() |
مكان مفتوح يحدق في الأفق بهدوء. |
السكون (4): حين تعجز الكلمات ويبدأ الصمت في الحديث
في لحظةٍ ما، يصمت كل شيء
في خضم الضجيج، ومع ازدحام الأفكار، تصل أحيانًا إلى نقطة تتوقف فيها كل الحواس.
لا يعود للكلمات طعم، ولا للضجيج معنى.
يبدأ الصمت... لكنه هذه المرة لا يشبه الصمت العادي،
إنه صمت داخلي، عميق، يشبه الهبوط المفاجئ إلى ذاتك.
1. الصمت الحقيقي لا يُختار... بل يحدث
حين لا تستطيع التحدث، ليس لأنك لا تملك ما تقول،
بل لأنك تخاف أن تُفهم خطأ.
حين تتراجع عن البوح، ليس جبنًا، بل لأنك لا تجد من يفهم العمق الذي وصلت إليه.
الصمت هنا يصبح لغة، بل يصبح الوطن الوحيد الممكن.
2. الكلمات تخون أحيانًا، والصمت لا
قد تقول كل ما لديك، لكنك تشعر أن شيئًا ما ما زال عالقًا داخلك.
الكلمات لم تكن كافية.
هي دائمًا سطحية مقارنةً بما يجري في أعماقنا.
في المقابل، الصمت... لا يخون.
لا يُفسَّر، لا يُساء فهمه.
الصمت يحفظ كرامتك حين تتهددك الكلمات.
3. ما بين الرغبة في الحديث والخوف من البوح
كثيرًا ما نشعر بالحاجة إلى أن نُسمِع أحدهم ما يثقل أرواحنا،
لكننا نتردد، نتراجع، نؤجل.
وليس لأننا لا نثق، بل لأننا لم نعد نملك الطاقة لإعادة الشرح.
هنا يبدأ الصمت ليس كحالة، بل كأسلوب حياة.
الصمت ليس دائمًا هدوءًا... أحيانًا هو صرخة داخلية مكتومة.
4. هل الصمت دائمًا جيد؟
لا، ليس دائمًا.
الصمت يصبح خطرًا عندما يكبت داخلك ألمًا يتضاعف.
لكنه يصبح نضجًا، إن كان اختيارًا نابعًا من حكمة داخلية لا تحب أن تهدر طاقتها في جدال عقيم أو حوار لا يُثمر.
الفرق بين الصمت الصحي والصمت المدمر هو: النية.
- هل تصمت لتتجنب المواجهة؟
- أم تصمت لأنك تعلم أن الحديث لن يُغير شيئًا؟
🟢 هنا يكمن الفرق، وهنا تكمن قوتك.
5. الصمت لغة... فقط من يعرفك يقرؤها
أحيانًا، كل ما تحتاجه هو شخص واحد...
واحد فقط، يقرأ صمتك كما يقرأ كتابًا مفتوحًا.
لا يسألك، لا يضغط عليك، فقط يفهم أنك الآن لا تود الحديث، وأن هذا لا يعني الرفض، بل الغرق.
6. كيف نحترم صمتنا؟
- ✦ لا تجبر نفسك على التفسير أمام من لا يشعر بك
- ✦ اكتب إن عجزت عن البوح، فالكتابة صوت آخر للصمت
- ✦ احترم احتياجك للعزلة، فبعض العزلات ضرورية للنمو
- ✦ لا تظن أن كل من يصمت ضعيف، فبعض الصامتين أقوى من ألف متحدث
7. ماذا يحدث عندما نتقبل الصمت كجزء من حياتنا؟
تتغير أشياء كثيرة:
- ✦ تصبح أكثر وعيًا بما تشعر به
- ✦ تقل ردود فعلك الغاضبة
- ✦ تتعلم كيف تختار معاركك
- ✦ تدرك أن السلام ليس في كثرة الكلام، بل في هدوء الروح
8. الصمت لا يعني النسيان
هناك خيط رفيع بين النسيان والصمت.
أنت لم تنسَ من خذلك، من جرحك، من خذلك في منتصف الطريق...
لكنك فقط، اخترت أن تسكت بدلًا من أن تُرهق نفسك بالجدال العقيم.
9. في الختام: السكون ليس ضعفًا بل نوعٌ من السيادة
حين تصل إلى مرحلة لا يُزعجك فيها صمت الآخرين، ولا تخاف من صمتك أنت،
حين لا تركض خلف أحد ليبقى، ولا تشرح ما لا يجب شرحه،
فأنت ببساطة، دخلت مرحلة السكون الراقي.
سكونٌ لا يشبه الخوف، بل يشبه النضج،
سكونٌ لا يشبه الهروب، بل يشبه الاكتفاء.
رسالة من الكاتب:
في هذا الجزء من سلسلة رحلة سكون، أحببت أن أضع يدك على المفارقة بين الصمت الاختياري والصمت الذي تفرضه الحياة.
الصمت ليس دائمًا علامة ضعف، بل أحيانًا هو أكبر دليل على نضج داخلي لم يعد يحتاج لإثبات أي شيء لأي أحد.
إذا كنت تمر بلحظات صمتٍ هذه الأيام، لا تخف.
فربما هذا الصمت هو البداية الحقيقية لفهمك لنفسك.
اقرأ ايضاا:
السكون (3): ما قبل المواجهة… حين تتعرى الحقيقة بلا رحمة